اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك.
شرح كتاب الحسبة لشيخ الإسلام ابن تيمية
21307 مشاهدة
بحث في قوة الصحابة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

ولا شك أن كلما كانت الأمة أو كلما كانت الجماعة أو القرية متمسكة بالإسلام حق التمسك مظهرين للحق ومنكرين للباطل ومبتعدين عن الشرور ومظهرين لحقوق الله تعالى ولحدوده، فإن ذلك عنوان قوتهم وتمكنهم وسيطرتهم؛ ولذلك قال الله تعالى: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ يعني هؤلاء هم الذين يمكّن الله تعالى لهم وينصرهم ويقويهم ويظهرهم على من عاداهم وينصرهم نصرا مؤزرا.
وهذا هو ما وقع من الصحابة رضي الله عنهم؛ فإنهم لما أقاموا شرع الله وقاموا بحدوده ولما تمكنوا؛ لما أنهم صارت لهم قوة صاروا يدعون إلى الله ويأمرون بالخير وينهون عن الشر ويقيمون الحدود وينفذون الأوامر ولا يخافون في الله لومة لائم؛ كما وصفهم الله قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ .
هكذا أمرهم ووصفهم وأخبر عنهم بهذه الصفات؛ ومنها أنهم لا يخافون في الله لومة لائم، بل ثبت أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لما ذكر له أن أحد أولاده كان يشرب شرابا يقال له الطلاء، لم يكن مسكرا ظاهر الإسكار، ولكن خاف أن يكون به شيء من النشوة أو أن يكون دافعا لم يقنع إلا أن يجلده جلد شارب الخمر.
وكذلك أيضا لما ذكر له أن بعضا من المسلمين في بعض البلاد الإسلامية شربوا الخمر، وتأولوا قول الله تعالى: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وتأولوا أننا إذا شربنا وطعمنا فلا حرج علينا إذا آمنا واتقينا؛ فأرسل إليهم أو أمر الوالي هناك في مصر فقال: إن أصروا على ذلك كفروا، وإن اعترفوا بذنبهم فسقوا؛ أمره أن يقتل من أصر على الاستحلال؛ إن اعتقدوا استحلالها وأنها حلال كفروا، وإن اعترفوا بأنها حرام ولكنهم متأولون لشربها فسقوا، وأمر بجلدهم ولو كانوا من أولاد الصحابة أو من أقاربهم.
فلا شك أن هذا دليل على أنهم اهتموا بأمر المسلمين وسعوا في إصلاحهم وحرصوا على أن يقيموا حدود الله وأن يظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولذلك نصرهم الله، ففي عهد عمر بن الخطاب الذي كانت خلافته عشر سنين ننظر كيف امتد الإسلام، فأولا انتشر الإسلام في الجزيرة في بلاد العرب وفتحت اليمن كلها ومن حولها وفتحت اليمامة والبحرين والسواحل كلها، وما على الخليجين.
وكذلك أيضا امتدت الفتوحات في الشمال وفي الغرب وفتح الشام ومصر بأكمله وفتح العراق وامتدت الفتوحات في خراسان ووصلوا إلى حدود الترك، وما إلى ذلك كل ذلك في هذه المدة القصيرة.